“خربوشة”…قصة مغربية استعانت بالفن لمواجهة طغيان “القايد”

كانت امرأة سابقة لعصرها، ومن النساء المغربيات اللواتي بقي صدى صوتهن مسموعا من عمق التاريخ، شكلت الكلمات وروضتها لتثور على الظلم وتقف صنديدة أمام بطش قائد أبى أن يستفيق من ظلمات جوره، فما كان لها إلا أن تنظم شعرا يروي ما يخالج وجدانها ويحكي قصة وجع مشترك عاشته هي وقبيلتها.

خربوشة الزايدية، هي حكاية بطلة وشاعرة انتفاضة أولاد زايد الشهيرة، سخرت أشعارها وصوتها القوي الصادح لنصرة قومها وتوجيه رسائل مشفرة عن ظلم “القايد”، تسلحت بقوة الكلمة وأشعلت وميض ثورة لم يكن من السهل إخماده.

وتعتبر “خربوشة” بحسب بعض المؤرخين والباحثين في الثقافة والفنون الشعبية المغربية، لقبٌ “الشيخة” الشعبية حادّة الزيدية الغياثية، التي تنحدر من قبيلة أبناء زايد بمدينة آسفي، وتشير نفس المراجع، إلى أن هذه الشاعرة الشعبية أطلق عليها هذا اللقب نظرا للندوب والآثار التي كانت ظاهرة على وجهها بسبب إصابتها بمرض الجدري، فيما تؤكد مصادر أخرى، أن البعض كان يلقبها ب “كرادة” التي تعني في الدارجة المغربية صاحبة الشعر المجعد.

أما عن عيسى بن عمر، الذي سخرت جل أشعارها لهجائه وذمه، فهو قائد القبيلة، ذو سلطة واسعة وجبروت قوي ومال وفير، كان من عشاق فن العيطة المغربي، وكان يقدم الهدايا من الذهب والماشية لكل من نال إعجابه ممن يمتهنون هذا الفن، لكن “خربوشة” لم تغريها هذه العطايا بل تسلحت بالفن وأطلقت العنان لصوتها وهي لتكشف ظلمه وتفضح جوره.

والعيطة هي فنّ غنائي شعبي مغربي، يتطرق لمواضيع من الواقع المعاش ويعبر عنها، تنوعت مواضيعه بين الغزل والمدح والمقاومة، وتختلف الأبيات الشعرية للعيوط باختلاف المكان الزمان والظروف التي يعيش فيها الفنان، لكن هذا الفن تميز بقوته فبقي الناس يتناقلونه شفهيا على مر السنين.

وكأي شاعر مناصر لقضايا شعبه العادلة وهمومه المثقلة، كانت “خربوشة” تظهر حقدها الدفين لعيسى بن عمر، الذي أذاقا هي وقبيلتها مرارة الظلم، وارتكب في حقهم أفعالا شنيعة، فراحت تهجوه وتذم أخلاقه بكلمات قوية، فقالت في إحدى أغانيها:

“وافينك عويسة فين الشان والمرشان؟

شحال غيرتي من عباد؟

شحال صفيتي من سياد؟

بلا  شفقة وبلا تخمام

حرگتي  الغلة وسبيتي الكسيبة

وصگتي النسا كيف النعام.

يتمتي  الصبيان بالعرام

يا قتال خوتو يا محلل الحرام”

وتقول “خربوشة” في أغنية أخرى، عندما استحضرت مكيدة القائد عيسى بن عمر لأبناء قبيلتها، حين أوهمهم بعقد الصلح واستدرجهم مسالمين:

“تعديتي وخصرتي الخواطر

ظنيتي القيادة للدوام

والجيد متبقالو شان

والرعواني زيدتيه الگدام

سير آ عيسى بن عمر

يا وكّال الجيفة، يا قتال خوتو يا محلل الحرام”

لم ترق عيوط “خربوشة” للقائد عيسى بن عمر، خاصة وأنه كان متعودا على سماع المديح، فأمر رجاله وجنوده بالبحث لمحاكمتها والزج بها في غياهب السجن.

علمت “خربوشة” بخبر البحث عنها، فما كان منها إلا أن تفر بعيدا متوجهة إلى الشاوية، لكن تم العثور عليها وزجها في السجن، حيث ظلت تتغنى بأشعارها حتى لفظت أنفاسها الأخيرة.

وعلى الرغم من اختلاف الروايات حول طريقة موتها، بقيت قصة “خربوشة” أو “حادة الزايدية” خالدة إلى حدود الآن، فتغنى ببطولتها وأشعارها أبناء وطنها، كما تم الاحتفاء بها في عدد من الأعمال الفنية، من قبيل فيلم “خربوشة” لمخرجه حميد الزوغي، والذي تم إنتاجه في سنة 1998.