أرملة وحيدة حملت الريشة وبدأت في تشكيل لوحات بألوان تداعب أيامها القاسية، تلون بشكل عشوائي، لم تعرف قواعد الفن ولا اللغة، كانت مدرستها الوحيدة هي فطرتها، ولم ترسم ما تسكنه بل ما يسكنها من تفاصيل ظلت حاضرة بوجدانها.
أطلقت العنان لعاطفتها ومشاعرها المتأرجحة بين الأسى والكفاح، عشقت الطبيعة والبادية، فكان الرسم ملاذها الوحيد لترجمة ما يخالجها من مشاعر وهواجس.
الشعيبية طلال هي فنانة تشكيلية مغربية، ولدت سنة 1929 في جماعة إثنين اشتوكة الواقعة بالقرب من مدينة أزمور بإقليم الجديدة، تعد من الرسامات المغربيات اللواتي حظين بشهرة واسعة عالميا بفضل لوحاتها المندرجة في شق “الفن الفطري”، حيث عرضت لوحاتها في أشهر المتاحف والمعارض في عدد من المدن، من قبيل باريس، ونيويورك، جنيف وفرانكفورت وغيرها.
نشأت الشعيبية طلال في منطقة تتميز بطابع فلاحي وجو أطلسي، انتقلت في السابعة من عمرها للعيش مع عمها في مدينة الدار البيضاء، لكن طفولتها أُقْبِرَتْ وهي في 13 من عمرها حين تم تزويجها برجل طاعن في السن.
لم تتلقى الشعيبية طلال أي تعليم أو تكوين في الفن، كما أنها لم تعرف حروف الهجاء ولا قواعد المدارس الفنية، لكن أحلامها وطموحاتها كانت بمثابة عاطفة تشكيلية تنهل منها لتشكيل لوحات عن ذاتها التي سبرت أغوارها بالألوان في وقت متأخر.
شاء القدر أن تكتشف الشعيبية موهبتها في الرسم حين كان ابنها مولوعا بالرسم في مرحلة الابتدائي، وهو ما حرك فطرتها التشكيلية التي كانت خامدة منذ وقت طويل، كما راودها حلم وهي في الخامس والعشرين من عمرها، حين رأت غرباء يقدمون لها أوراقاً وأقلاماً من أجل الرسم، اعتبرته رسالة لها من القدر.
تبعت الشعيبية حدسها وحبها للفن، فقررت أن تقتني أدوات الرسم وبدأت في تشكيل لوحات من وحي كل ما كان يسكنها، واعتادت على الرسم كل مساء بعد أن تنهي عملها في البيوت من أجل توفير مدخول يساعدها على العيش هي وابنها.
بقيت أيدي القدر ممتدة لها وفُتِحَ أمامها الباب على مصراعيه نحو احتراف الفن التشكيلي، حين اكتشف بالصدفة الناقد الفرنسي بيير كوبير مدير متحف الفن الحديث بباريس موهبتها، أثناء زيارة له لابنها الشاب حسين طلال للاطلاع على أعماله، فاستغلت الفرصة وعرضت عليه لوحاتها أيضا، فقوبلت أعمالها بإعجاب شديد من طرف الناقد الذي صنف أعمالها في خانة الفن التشكيلي الفطري.
بعد هذه الزيارة، كانت الانطلاقة الرسمية الشعيبية من خلال معرض بمدينة الدار البيضاء، ومعرضين آخرين أقيما في العاصمة الفرنسية باريس، ومن هنا بدأت أعمال الشعيبية تكتسي شهرة عالمية خاصة حين عرضت لوحاتها في أرقى دور العرض العالمية وإلى جانب رسامين عالميين، من قبيل بيكاسو ومبروك وغيرهم.
كانت أعمالها لصيقة بما تختزنه ذاكرتها، حيث كانت تبدع في رسم لوحات مستوحاة من الطبيعة بمشاهدها البانورامية من ربيع وأزهار وحتى بحار خلابة، كما رسمت وجوها كان يطبعها الفرح أحيانا والحزن أحيانا أخرى.
وانطلاقا من سنة 1966، بدأت الشعيبية في تنظيم معارض للوحاتها، كما حرصت على المشاركة في معارض دولية، من قبيل معرض كوبنهاغن في سنة 1969، وكذلك معرض بجزيرة إيبيزا بإسبانيا سنة 1974، بالإضافة إلى معرض الحقائق الجديدة في باريس خلال نفس السنة .
كما تميزت مسيرتها الفنية الحافلة بالإنجازات بمشاركتها في عدد من المعارض الأخرى، مثل معرض الملاك بروتردام الهولندية في سنة 1980، ومعرض آخر في مدينة برشلونة الإسبانية، ثم معرض برواق المربع الأبيض في سويسرا سنة 1989، وكذلك المعرض الذي أقيم في متحف سانت أنغريت بألمانيا سنة 1993.
وتوج المسار الفني لهذه التشكيلية المغربية بالحصول على الميدالية الذهبية للجمعية الأكاديمية الفرنسية للتربية، كما تم إدراج اسمها في صفحات قاموس “لاروس الفن بالعالم” سنة 1977، ودخلت القاموس المرجعي “بيزينيت”، كما تضمن قاموس “أكسفورد” الدولي للأعلام بنيويورك، مادة تعريفية بالفنانة، وذلك في المؤلف المرجعي “معجم تراجم الفنانين الأفارقة”.
وتوفيت الشعيبية طلال في الثالث من أبريل سنة 2004 عن عمر ناهز 75 سنة في مدينة الدار البيضاء.