فاطنة، تلك الشابة التي انتشر خبرها في الدوار باقتراب حفل زفافها، الجميع متأهب لحفل يليق بجميلة مثلها، الأب من جهة يرعى غنمه في تلال ايواريدن، وبين الحين والآخر يعترف لصديقه، ويشير بأصبعه، أن هذه الشاة وتلك ستكونان وليمة زفاف كما يقول “فاطنانو” ، ويدعو أصدقاءه إلى ضرورة حضورهم من أجل تماسك وتكامل فرقة أحواش، ويقول بنبرة الفرحة والسرور “أحواش أر زيك الصباح” (باللغة العربية “سنرقص باحواش حتى بزوغ الفجر)..
أما الأم فهي منشغلة بإعداد “حربر” (وهو طعام يقدم للضيوف يوم الحناء حسب عادات الجبل وتقاليد أمازيغ الأطلس)، كما أن حديثها مع زوجها هو فقط عن عدد الحضور ومن سيحضر منهم، حسب البعد والانشغال، ودائما ما تقول بكل حسرة لفاطنة (وقد تعتريها دمعة الحنين والفراق) “بقي القليل لتغادري لا أعلم كيف سأعتاد على غيابك“.
هناك في الدار البيضاء، وفي أحد أوراش البناء يَكِدُّ ويَجِدُّ اليوم كله لجمع ما يساعد به في زفاف أخته، حميد الأخ الأكبر لفاطنة بعد عيد الأضحى سافر رغم أن أقرانه من أبناء القبيلة يستمتعون بعطلتهم وحضور دوريات كرة القدم المنظمة في الدواوير المجاورة، ترك ذلك كله من أجل فاطنة، وزفاف فاطنة…
فاطنة التي استيقظت، صباح يوم الأحد، وبعد أن احتشمت في جلبابها غادرت هي وأبوها إلى السوق الأسبوعي بمدينة دمنات لاقتناء ما يلزمها استعدادا لليلة العمر وحلم كل فتاة ….
للأسف الفرحة لم تكتمل …
غادرتنا فاطنة وأبوها، في حادثة الأحد الأسود، هي و22 آخرين من أبناء ايواريدن والنواحي، تاركين وراءهم أمهات مكلومات ويتامى وعائلات.. والكثير مثل أم فاطنة وأخ كحميد الذي حاولتُ أن أكتب لكم شعوره بعد سماع الخبر .. ولكنني عجزت والله عجزت“