في منطقة قروية تحجبها سلسلة جبال الأطلس المتوسط، وتكسو أراضيها حقول التفاح، خلق حلم فتاة من رحم مشهد عاينته في طفولتها، حيث ترسخت في ذاكرتها تضاريس الحزن المرسومة على محيى الفلاحين بقريتها، وهم يرمون نصف ما شقوا لأجله، لتقرر في سن 18 أن تخطو خطواتها الأولى نحو حلم سينتشل الفلاحين من دوامة الخسارة ويخرج نساء القرية من دائرة البطالة.
هي قصة نجاح امرأة آمنت بنفسها وتصدت لمنتقدي حلمها بكل حزم، وكما أن كل عظيم يبدأ صغيرا، بدأت منى الإدريسي، بتمويل مشروعها من المنحة الدراسية، تعبت واشتغلت عليه إلى أن نالت جائزة “لالة مريم” للابتكار والتميز في نسختها الأولى.
وفي هذا الحوار الخاص مع مجلة “سلطانة”، تتحدث منى الإدريسي، مؤسسة تعاونية “تيميشا” لتثمين التفاح بمنطقة أغبالة آيت سخمان، عن قصة نجاحها في تأسيس هذا المشروع، وتعدد الإكراهات التي واجهتها في طريق إنشاء هذه التعاونية.
أولا، تحدثي لنا عن نفسك؟
“أنا منى الإدريسي، عمري 23 سنة، حاصلة على ديبلوم تقني متخصص في تصنيع المواد الغذائية بميزة مشرفة جدا، درست من المستوى الابتدائي إلى الإعدادي في أغبالة، بعدها قرر أبي أن أنتقل أنا وإخوتي إلى بني ملال كي نطور أنفسنا ونتعلم أكثر، خاصة وأن المجال الحضري مختلف جدا عن القروي، بعدها حصلت على الباكالوريا في ثانوية الحسن الثاني، لكن للأسف الشديد لم أحصل عليها بميزة ممتازة، ما جعلني غير قادرة على ولوج مدارس عليا”.
كيف جاءت فكرة إنشاء تعاونية؟
“منذ الصغر كان أبي يشجعني أنا وإخوتي على المقاولة، وحين وصلت إلى مستوى الأولى إعدادي، حاولت أختي حفيظة الإدريسي إقناعي بفكرة إنشاء مقاولة، لكنني كنت مترددة جدا بحكم لم تكن لدي فكرة مشروع، وبعد حصولي على الباكلوريا اقترحت علي أختي فكرة تثمين التفاح بأغبالة، نالت الفكرة إعجابي وقررت أن أتوجه إلى دراسة مجال تصنيع المواد الغذائية، وهذا التوجه ساعدني كثيرا على تطوير مشروعي”.
ماهي الظروف التي أسست فيها تعاونية “تيميشا”؟
“حين اقتنعت بالفكرة اشتغلت عليها جيدا، وقمت بدراسة خاصة على المنطقة، واكتشفت أن أغبالة تنتج ما يقارب 80000 طن سنويا من التفاح، لكن نسبة 55 بالمئة من هذا الإنتاج يضيع ويتم رميه، وهذا يعد خسارة كبيرة للفلاح، خاصة حينما يتعلق الأمر بالتفاح الصغير أو الذي يصاب بالعثة، فتكونت لدي فكرة أن أستخدمه في إنتاج خل التفاح والمربى وغيرها، لمساعدة الفلاحين وأيضا لتوفير فرص شغل للنساء والشابات القرويات، بحكم أنني أنتمي لمنطقة جد جد قروية”.
ماهي الإكراهات التي واجهتك في تأسيس التعاونية؟
“أكثر التحديات التي واجهتها، كانت حين قررت تأسيس تعاونية في سن 18 سنة، لم يعرني أحد الاهتمام ولم يؤمن بي أحد، لكنني كنت واثقة جدا من قدراتي، واجهت التنمر في البداية، حين اقترحت فكرة تأسيس التعاونية على بعض النساء، إذ لم يوافقن بحكم صغر سني، وبعد تأسيس التعاونية واجهت الأمر ذاته من قبل أشخاص لم ترقهم فكرة أن تؤسس فتاة صغيرة تعاونية، لكن كل هذا التنمر كان حافزا لي كي أثبت لهم العكس وأن النضج لا علاقة له بالسن”.
كيف كانت خطواتك الأولى نحو حلمك؟
“صراحة بدأت التعاونية فقط بمنحة دراسية، وكنت أشتغل في المنزل لكن بطموحي اللامحدود، استطعت أن أوصل التعاونية إلى مستوى عال جدا، اشتغلت وطورت المشروع، والحمد لله تمكنت من توفير 18 فرصة شغل للنساء والشابات القرويات، ومساعدة الفلاحين في التفاح الذي يتم رميه”.
ما هي المحطات التي تفتخرين بها وأنت تحققين حلمك؟
“أفتخر جدا أنني بدأت مشروع تعاونية “تيميشا” بالمنحة فقط، والذي يوفر حاليا فرص شغل ل18 امرأة قروية، أفتخر أيضا أنني عرفت بمنطقتي من خلال إطلاق اسم منطقتي على اسم المشروع “تيميشا”، ولأول مرة في تاريخ المنطقة يحمل المنتوج اسم المنطقة، واستطاعت “تيميشا” أن تحصد عددا من التتويجات، أهمها حصولها على جائزة لالة مريم للابتكار والتميز على الرتبة الأولى على الصعيد الوطني، بالإضافة إلى الذرع الذهبي كرتبة أولى على الصعيد الجهوي، ثم الذرع النحاسي رتبة ثالثة على الصعيد الوطني، بالإضافة إلى جائزة Innov days، وجائزة أرض النساء”.
لمن يعود الفضل في نجاحك؟
“أشكر كثيرا أختي حفيظة الإدريسي، لأن لها الفضل الكبير فيما وصلت إليه الآن، وأيضا لأسرتي التي ساندتني في وقت لم يؤمن بي أحد”.
ماهي وصفة نجاح منى الإدريسي خاصة وأنها في سن صغيرة؟
“يكمن سر نجاحي في الإسرار والإلحاح على تحقيق الأهداف، أنصح كل امرأة بالصبر والاستمرارية، وبالارادة والعزيمة ستحققين كل ما تطمحين إليه”.